Sunday 9 September 2012

حتى لا تفشل مشاريع الخصخصه فى الكويت

يكثر الكلام عن خصخصة المؤسسات الاقتصاديه التابعه للحكومه و ينقسم الشارع بين مؤيد لها و معارض و لكل فريق اسبابه.  الجهات الشعبيه رافضه لفكرة الخصخصه على بناء على تجارب عديده حول العالم حيث قامت الحكومات بخصخصة مؤسساتها و أنتهت مشاريعها بالفشل الذريع و الاحتكار و زيادة أسعار الخدمات و بطاله كبيره بسبب تسريح العاملين لزيادة الارباح.  لكن فى نفس الوقت للاسف الداعين لعدم خصخصة مرافق الدوله الاقتصاديه لم يقدموا البديل للاستنزاف المالى الكبير التى تسببه تلك المؤسسات للميزانيه العامه و العببء البروقراطى الكبير الذى تشكله على الحكومه و أكتفوا بالانتقاد من غير أعطاء حلول موضوعيه و عمليه.  لا يخفى على الكل أن الكثير من الشركات الحكوميه و المرافق العامه كان الاساس منها أضافة دخل آخر لميزانية الدوله من داخل البلد و أيضا تقديم الخدمات العامه لخدمة المواطنين و المقيمين.  الذى حصل فى الكويت أنه منذ أواخر السبعينات تحولت تلك المؤسسات الاقتصاديه التابعه للدوله الى كينونات للتنفيع الاجتماعى و السياسى و أيضا للتوظيف العشوائى حتى لا تظهر الدوله فى موقف العاجز عن توفير الوظائف للمواطنين.  نتيجة للتضخم الادارى و سوء الاداره  تحولت تلك المؤسسات الاقتصاديه الحيويه والمرافق من مساند للدوله الى عبء كبير و أستنزاف مالى و أقتصادى للميزانيه العامه.  على سبيل المثال بدلا من شركة حكوميه يعمل بها 150 عمال و موظف, أصبح بها مالا يقل عن 1500 عامل يستهلكون جل ميزانية الشركه من الرواتب و لهذا بأخر السنه الماليه تطلب الشركه من الحكومه المساعده لدعم الشركه ماليا بدل الافلاس.  لدينا الكثير من الامثله لتلك الشركات الحكوميه و منها على سبيل المثال الخطوط الجويه الكويتيه التى من بعد أن كانت النموذج الجيد لحسن الاداره فى السبعينات الى مثال آخر من الشركات الحكوميه الفاشله بسبب التوظيف العشوائى و سوء الاداره لاحقا. 
ليس بالضروره الخصخصه الحل السحرى للكثير من المشاكل المتراكمه للشركات الحكوميه و فعلا قد تفشل مشاريع الخصخصه أذا لم تتوفر لها الارضيه المناسبه من قوانين و بيئه شفافه للعمل و الانتاج.  على سبيل المثال, تجربة الخصخصه المصريه فى عهد الرئيس السابق مبارك, حيث أستولت مجموعه سياسيه ضيقه تابعه للنظام السابق على شركات القطاع العام التى بيعت برخص التراب, و بدل تطويرها و أعادة هيكلتها لكى تعمل على أسس تجاريه بحته, قام المتنفعين  بأفلاس الشركات و المصانع التى خصصت و تسريح العاملين للمتاجره بعقاراتها و اراضيها فقط و تحصيل الاموال الطائله لذلك لذا كانت تجربة الخصخصه جدا سيئه فى عهد مبارك بسبب أنعدام القوانين و لم تحسن من الاقتصاد المصرى مما تسببت فى الشراره للثوره الشعبيه ضد النظام هناك  ! أيضا لدينا تجربة الخصخصه فى بريطانيا التى تعتبر الاولى عالميا فى الشفافيه والبيئه الاستثماريه خصوصا فى نموذجى خصخصة خدمات البريد و القطارات فى التسعينات.  حيث خصخصة البريد الملكى و شركات القطارات فى المملكه المتحده لم ترفع من الخدمات المقدمه بل زادت الوضع سوءا و تذمرا من المستخدمين.  لكن من الجانب الآخر لوجود القوانين و البيئه الصالحه للعمل التجارى المبدع نجحت شركات أخرى بريطانيه خصخصت مثل شركة الاتصالات البريطانيه, الخطوط الجويه البريطانيه و شركات الكهرباء و أصبحوا فاعلين على المستوى السوق المحلى و العالمى و مصدرا مهما للضرائب و توظيف البريطانيين .... أيضا لدينا تجارب محليه فى خصخصة مرافق الدوله منذ التسعينات و منها كان مثالا للنجاح و الآخر لعدم تحقيق الغايه المنشوده.  المثال الاول فى شركة المخازن العموميه أو كما سميت لاحقا بأجليتى, كانت شركه حكوميه شبه ميته, لكن بعد خصخصتها تم أعادة هيكلتها و أنطلقت تحت أداره مرنه من القطاع الخاص و أصبحت لها أستراتيجيه دوليه للتوسع فى مجال النقل و الشحن و أصبحت لاعبا على المجال العالمى فى مجال النقل اللوجستيكى.  بالمقابل المثال الآخر الغير مشجع فى خصخصة محطات الوقود, حيث لم يشهد المواطن التطور فى الخدمات و لا حتى تشجيع للعماله الوطنيه.  لهذا  أخشى شخصيا من تجربة الجنوح بشكل كامل للخصخصه فى الكويت من غير أصدار القوانين الضروريه لنجاح هذه التجربه. نريد فى النهايه الخصخصه الفاعله المكمله لاقتصاد البلد ولا نريد الخصخصه الفاشله التى نتقل الشركات و المرافق من تحت أيدى ألاداره الحكوميه السيئه الى أداره أسوء منها فى القطاع الخاص.  للوصول الى الخصخصه السليمه سأسرد عن بعض القوانين الضروريه المقره فى الدول الاقتصاديه الناجحه لكى نصل الى الوضع السليم, و منها بصوره رئيسيه:
1)     قوانين الضرائب.  لا توجد خصخصه ناجحه و على أسس تجاريه و أستفاده كامله لخزينة الدوله من غير قانون شامل و مرن للضريبه على الشركات و الاعمال التجاريه.  الدوله ستبيع شركاتها و أصولها وفى نفس الوقت من الضرورى أن يكون هناك قانون للضريبه لكى تستفيد الدوله من أرباح الشركات المباعه بطريقه غير مباشره على المدى الطويل بطريقه قانونيه و مفيده لخزانة الدوله, و أيضا حتى لا يشعر الشعب أن الشركات تستفيد من البلد من غير أى عائد مجدى للحكومه مما يعيد حفيظة الشعب من الشركات و برنامج الخصخصه و تعاد فكره تأميم من جديد.  فى الكويت الشركات التى سيتم تخصيصها ستستخدم مرافق الدوله من كهرباء, طرق, أتصالات و غيرها ولن تدفع ثمنها الحقيقى فى ظل النظام الريعى للدوله الحالى, لهذا يجب أشراك الشركات المراد خصخصتها و غيرها لكى تكون رافد آخر للايرادات على ميزانية البلد, و تلك الضرائب ستشجع الحكومه و الشعب على تقديم التسهيلات الازمه لخلق البيئه الاقتصاديه المناسيه لتلك الشركات للابداع لكى تزداد أرباحها و يشاركها الشعب فى الدخل عن طريق الضرائب العادله.     
 
2)     قانون جديد مرن و عصرى لاشهار الافلاس.  الكل يعلم فى القطاع الخاص و بسبب تأرجح حالة الاقتصاد تكون الشركات و الاعمال التجاريه معرضه للخساره و الافلاس, قانون الافلاس الحالى جدا قديم و يحمى أصحاب الشركه لكن لا يحمى الشركه نفسها و أصولها.  يا حبذا أقتباس القانون الامريكى الشهير لافلاس الشركات, حيث يحمى القانون الشركه المعلنه أفلاسها من الدائنين و يعطيها الفرصه لكى تعيد هيكلة نفسها و من ثم الانطلاق مره أخرى بصوره أقوى فى السوق من غير خسارة المساهمين لاموالهم.  أخرها شركة جى أم الامريكيه لصناعة السيارات و أيضا بنك ليمن برذر الشهير تم أعلان أفلاسهم تحت القوانين الامريكيه للحمايه من الدائنين و من أيضا تسييل الاصول من الملاك و المساهمين, و حاليا عادوا لتسجيل الارباح و الوقوف مره أخرى فى الميدان.  لا نريد من الشركات المحليه التى سيتم خصخصتها أن تخسر و تنهار أمام أول أزمه أقتصاديه بسبب عدم وجود القانون اللازم لحمياتها و من ثم خسارة الشركه لاصولها و خسارة المواطنين لاموالهم أيضا ....
 
3)     قانون لمنع الاحتكار.  للاسف لايوجد لدينا فى الكويت قانون متكامل لحماية السوق و المستهلك من أحتكار الشركات لسلعه معينه أو منتج معين مما يقتل المنافسه و يزيد من السعر و التكلفه على المستهلكين.  فى الغرب و الولايات المتحده يعتبر قانون منع الاحتكار Anti trust  من أهم القوانين لكى تنظم حركة السوق و تنشط الرأسماليه المنتجه.  على المدى البعيد منع الاحتكار يساهم بصوره أيجابيه فى الابداع و الابتكار, على سبيل المثال فى شركة الاتى أن تى الامريكيه للاتصالات.  الى الثمانينات كانت شركة الاتى أن تى مسيطره على جميع الهواتف فى الولايات المتحده, الا أن تم تفكيكها من قبل قانون منع الاحتكار مما أوجد ثوره و منافسه فى عالم الاتصالات بين مختلف الشركات, مما خفض فى تكلفة المكالمات على المستهلك و خدمات أفضل.  لا نريد بعد الخصخصه أن تقع الشركات بيد جهه واحده أو أنها تستفرد بالسوق و تكون و عبء مالى كبير على المستهلك, لهذا يجب أصدار قانون لمنع الاحتكار لكى يكون مدخل للتنافس الشريف لصالح الكل.
 
4)     قانون عام للحد الادنى من الاجور. للاسف فى الكويت ليس لدينا قانون عام للحد الادنى من الاجور لهذا شركات القطاع الخاص تفضل الوافد على المواطن لانه الوافد يقبل بمخصصات ماليه أقل كثيرا.  فى حالة خصخصة الشركات الحكوميه على الوضع الحالى سيتم الاستغناء بشكل جماعى عن المواطنين و تشغيل المزيد من الاجانب مما تنتفى معه الفائده للحد من البطاله بين المواطنين.  لقد آن الاوان لانهاء هذا التفاوت الكبير فى الاجور بين المواطنين و المقيمين فى القطاع الخاص لانه أصبح غير صحى على المدى الطويل و ضد العماله المحليه بالخصوص.  نعلم أن الاجور المتدنيه فى القطاع الخاص للاجانب هى السبب الرئيسى فى عدم تضخم الخدمات و السلع فى الكويت مما يعم الفائده على المواطنين, لكن ايضا هذا التفاوت الرهيب فى المعاشات يقتل التقدم فى القطاع الخاص و يعطى الادارات العليا فى الشركات الذريعه لابعاد المواطنين لصالح الاجانب لتكلفتهم الاقل.  فى توحيد الاجور بين المواطن و المقيم سيرفع من اسعار الخدمات و السلع فى البدايه, لكنه سيخلق بيئه تنافسيه للافضل بين المواطن و المقيم للتنافس على العمل فى القطاع الخاص على الكفاءه و الشهاده و المجهود و ليس على فقط على التفاوت الكبير فى الراتب.   القانون الحالى لتوطين القطاع الخاص بألزام بحصه معينه من المواطنين غير فعال و من السهل الالتفاف عليه من خلال التسجيل الوهمى للمواطنين فى الشركات كما هو حاصل حاليا للاسف. لهذا من خلال قانون جديد لتوحيد الاجور بين المواطن و المقيم و الحد الادنى منه سيكون التنافس فى القطاع الخاص على الكفاءه و ليس على رخص الايدى العامله.  نريد من خصخصة الشركات توظيف المميزين من أبناء الوطن و أمتصاص البطاله بين المواطنين و لكى يحس المواطن أنه الخصخصه لصالحه و ليست لخلق المزيد من فرص العمل للاجانب على حسابه بسبب تدنى الاجور ...
 
5)     قانون لمنع التفرقه فى مكان العمل. فى الدول الكبرى الغربيه هناك قوانين لكى تحمى المتقدمين للعمل على الشركات الخاصه أو العاملين بها لحمايتهم من طرد أو الرفض لاسباب عنصريه أو طائفيه.  لا نريد الشركات التى تم خصخصتها لكى تتحول كانتونات طائفيه أو عنصريه للتوظيف على حساب التنافس الشريف و العمل الجماعى الوطنى كما هو الحاصل حاليا للاسف مع بعض الشركات فى القطاع الخاص.  للاسف لدينا تجربه فى القطاع الخاص و خصوصا فى بعض الشركات العائليه و المساهمه تحولت الى بؤر للتوظيف على اساس الطائفه و الانتماء و ليس على أساس الكفاءه مما أعاق من تطورها و تقدمها. لذا  لا نريد من الشركات المساهمه التى سيتم خصخصتها أن تتحول الى أماكن للتوظيف الفئوى على حساب الكفاءات ....
المحصله النهائيه أنه الخصخصه لابد منها للنهوض بالواقع الاقتصادى الكويتى و أيضا تخفيف الاعباء الماليه الكبيره على الحكومه و الميزانيه العامه للدوله.  لا يمكن للدوله الى مالا نهايه أن تتحمل الخسائر الهائله الماديه لمرافقها الحكوميه و شركاتها و فى نفس الوقت لديها الالتزامات الاخرى للصرف على نواحى الدوله الاخرى.  نعم نتفهم تخوف الكثيرين من الخصخصه الغير منضبطه التى قد تنتهى فى فى يد مجموعه أستغلاليه لن تطور الشركات لكن فقط تستنزفها و تبيع اصولها للمضاربه مثل ما حصل على الطريقه المصريه فى العهد السابق.  نريد الاقتصاد الوطنى أن يعود مزدهرا كما فى السابق لما كان القطاع الخاص يدير جميع مرافق البلد قبل النفط.  على سبيل المثال الموانئ (النقع) تدار من عوائل معينه, القوافل التجاريه و النقل البحرى بيد القطاع الخاص و البناء و الصناعات جميعها بيد أبناء الكويت و فقط السلطه عليها تجميع الضرائب و الفصل فى المخاصمات.  نريد العوده الى سابق الكويت المزدهره أقتصاديا من خلال تراثها التجارى بيد أبناءها لكن  من خلال تجديد الكثير من القوانين و التشريعات العصريه الجديده نستطيع ترويض الخصخصه لصالح الوطن و المواطن و بناء أقتصاد عصرى مبنى على المنافسه و الابتكار ...