Friday 15 March 2013

النظام الانتخابى الاصلح للكويت !

لا يخفى على الكثيرين أن من بعد تحرير الكويت فى أوائل التسعينات و جميع المجالس التى تم أنعقادها منذ التحرير الاداء البرلمانى أنحرف كثيرا عن جادته الرئيسيه و أصبح العمل السياسى داخل المجلس متسما بالشخصانيه و عدم الالتزام بالدستور و أدواته و أهمال الكثير من الادوات المهمه مثل التشريع السليم و تحول الاستجواب من أداة راقيه للمحاسبه, الى آله للتخريب و التربص بالوزراء و الترهيب و الصفقات الفاسده !
 بدلا من أن يكون البرلمان أداة مقومه للحكومه لتصحيح الاخطاء و محاسبة المخطئ, تحول الى وسيله أكثر تخريبا و تدميرا حتى على المشاريع الحكوميه المستحقه مثلما حصل أخيرا فى تخريب صفقة شراكة الداو و تعطيل المشاريع المستحقه مثل التوسع فى محطات الكهرباء و المشاريع النفطيه المهمه.  و شهدت الكويت أيضا منذ التسعينات أستجواب وزراء على أسس غير صحيحه و منطقيه و تؤدى الى أقصاء الوزير و أعدامه سياسيا, و بعدها يتضح أن الوزير بريئ و تم ظلمه لاسباب سياسيه و مصلحيه و الاعيب ماكره !
 و وصل الامر بمجلس الامه من خلال نوابه الى التدخل فى شؤون الدول المجاوره و تخريب العلاقات الخارجيه الحساسه للكويت و أدخالها فى خلافات خارجيه ليست من صالح البلد.  أيضا المخرجات الانتخابيه التى كانت تتصف بالطرح الوطنى الشامل فى بداية العمل البرلمانى, تحولت الى أكثر تطرفا لصالح الطائفيه الدينيه و الانتماء الاجتماعى.  تحول المجلس من مؤسسه مكمله للدوله و سندا لها الى مؤسسه أجتماعيه غير منتجه و فقط نظراتها تتجه الى الشكوك و خلق المشاكل و بل أصبح المجلس نفسه يشرع الكثير من القوانين الغير دستوريه و المقلصه للحريات !
  لهذا لاقرار المشاريع المستحقه و التى تدفع لمصلحة البلد و تطوير من العمليه الديموقراطيه, لذلك أصبحت الكويت تنتظر المراسيم الاميريه للدفع بالمشاريع الحيويه و القوانين بدلا أن تقر من خلال مكانها الطبيعى داخل قبة البرلمان.  لا ننسى فى السابق الرفض القاطع لمجالس الامه بغالبية أعضاءه بمناقشة أعطاء المرأه حقوقا السياسيه, و تم ذلك فقط عن طريق المرسوم الاميرى الشهير فتح المجال لحق أنتخاب و ترشيح المرأه مما ينهى حقبه مسيئه بحق الديموقراطيه الكويتيه.  أيضا  حاليا يتم أقرار قوانين أخرى مهمه  بمراسيم أميريه أخرى بأنشاء هيئه للنزاهه و مكافحة الفساد و كشف الذمه الماليه و أيضا هيئه لكسر الاحتكار التجارى, الذى فشلت جميع المجالس السابقه بأقرار مثل تلك القوانين الحيويه و المهمه !
لهذا تكثر الاحاديث و تعقد الندوات فى الايام الاخيره لطرح الآراء عن الانظمه الانتخابيه حول العالم, و أيهما أفضل للتجربه البرلمانيه الكويتيه.  كثر الحديث عن أنواع طرق الاقتراع و الانتخاب خصوصا بعد المرسوم الاميرى الاخير لتغيير آلية التصويت مقتصره على الخمس دوائر مع صوت واحد فقط لكل ناخب.  تكشف مختلف الندوات و أيضا اللقاءات الاعلاميه عن أنماط آليات الانتخاب البرلمانى لمختلف الدول الديموقراطيه و كل فريق يعتبر تلك الآليه أو غيرها هى الانسب للكويت و طبيعته السياسيه و الاجتماعيه.  بعض الاطروحات المحليه تروج لطريقة أنتخاب القوائم على أنها الاكثر تنظيما و تؤدى الى مخرجات برلمانيه متجانسه و أطروحات آخرى تعالج مشكلة توزيع الدوائر و تطرح زيادتها ل 50 دائره لكى تكون متناسبه مع التغييرات الاجتماعيه و تؤدى الى فرز مجلسا نوابه أكثر ألتصاقا مع الناخبين و معايشه لهمومهم.  بنظره عامه تختلف الاطروحات لتعديل النظام الانتخابى و الكل يعتبر رأيه و يصر على أنه هو الاقرب للصواب و لرفع مستوى الاداء البرلمانى. 
لنكن صريحين و واقعيين لايوجد نظام أنتخابى أستثنائى سيقلب الحال فى الكويت و سيؤدى الى نتائج باهره. لانه المخرجات الانتخابيه سواء لو تم أستنساخ الانتخاب بالقوائم الحزبيه أو حتى بالصوت الواحد الحالى أو أكثر منه لن يؤدى لتحسين المخرجات الانتخابيه لان الانتخابات و مخرجاتها هى أنعكاس لوعى الناخب و مدى درجات أنصهار الطبقات الاجتماعيه فى الكويت و ليس لها شأن من الاساس بتوزيع الدوائر أو طريقة الانتخاب.  نعم تستطيع السلطه من خلال التلاعب فى رسم الدوائر و طريقة التصويت بخلق أغلبيه لها داخل المجلس و تفتيت بعد العناصر الغير مريحه لها كما حصل فى مرسوم أوائل الثمانينات لتغيير الدوائر من 10 الى 25 لتحجيم المعارضه القوميه و مد المعارض الشيعى لحساب القبائل و التيارات الدينيه الاخرى المواليه فى ذلك الوقت.  لكن بالمحصله لا تستطيع الدوله من خلال مختلف الانظمه الانتخابيه و شتى طرق توزيع الدوائر بخلق مخرجات واعيه و على قدر كبير من المسؤوليه تساهم للخروج من العبث البرلمانى الحالى حاصل.  لدينا تجارب عالميه بأنماط مختلفه من الانظمه الانتخابيه تكشف أنه وعى الشعبى هو الاهم لتطوير البلد و تحوله الى الديموقراطيه المنتجه بدل الديموقراطيه الفاشله و سأسردها بالتفاصيل ....  
1)     لدينا التجربه العراقيه و الاسرائيليه فى المنطقه حيث النظام الانتخابى بكلتا الدولتين مبنى على التمثيل النسبى و التصويت بدائره واحده تشمل جميع البلاد و يعتبر من ارقى الانظمه الانتخابيه فى العالم.  من مميزات الدائره الواحده بالتمثيل النسبى أنه جميع طبقات المجتمع و الاقليات تحصل على فرصتها للتمثيل بصوره كافيه داخل البرلمان و المشاركه بالحكم, و يمنع تحكم الاغلبيه بالاكثريه.  لكن من عيوب هذا النظام الانتخابى تشرذم القوى السياسيه و صعوبة الحصول على الاغلبيه المطلقه لهذا يجب الدخول فى تحالفات مع الفائزين الآخرين لتشكيل الحكومه مما يصعب من أتخاذ القرار السياسى و الادارى لمراضاة جميع التناقضات داخل التحالف الانتخابى.  لكن فى نفس الوقت على مشاكل أسرائيل السياسيه الداخليه, البلد تطور أقتصاديا و عسكريا و علميا و نظام الاداره الحكوميه هناك أصبحت فى مصاف الدول المتقدمه.  بالمقارنه العراق على نقيض أسرائيل من حيث سوء الخدمات و تقريبا أنهيار شامل لمرافق الدوله و أنتشار الفساد و تغلغله فى أركان الحكومه و قاب قوسين أو أدنى من تحول العراق الى دوله فاشله !
سبب نجاح أسرائيل لانه دوله بنيت على المدنيه و أحترام القانون لما أسسها المستوطنين القادمين من البلدان الغربيه و الذى تعلموا من هناك روح العمل بالديموقراطيه و تأسيس القانون لكى يكون المرجع لدولتهم الوليده.  أيضا المواطنين اليهود يعرفون أنه بالاداره و العلم فقط لوحدهما بأستطاعة تلك الدوله فى التأسيس و مواجهة المحيط العدائى.  لكن فى الحاله العراقيه بسبب سنين من الحكومات الدكتاتوريه و التخريب الممنهج للنسيج الاجتماعى العراقى أصبحت الطائفيه و الفؤويه هى سيدة الموقف و المتحكمه فى المخرجات الانتخابيه.  و النتيجه فى الديموقراطيه العراقيه أنها أصبحت عشائريه و طائفيه فى مخرجاتها و أصبحت تؤثر سلبيا على أدارة البلد.
 
2)     المقارنه التاليه عن وعى الشعوب الانتخابى بين الشمال الأوروبى خصوصا الدول الاسكندنافيه و دول جنوب أوروبا خصوصا المتوسطيه منها.  الدول المذكوره لديها تقريبا نفس الآليات الانتخابيه و النظام الانتخابى المبنى على تشكيل الحكومه من الاغلبيه البرلمانيه.  دول شمال أوروبا مخرجات أنتخابيه محترمه و تطور أقتصادى و أجتماعى مذهل و حتى خلال الازمات, لدى السياسيين المرونه و الاداره القويه لانقاذ البلد و أعادة التطور و النمو و وايردات من الضرائب كبيره. على النقيض دول الجنوب الاوروبى مثل أيطاليا و اليونان لديهم مخرجات أنتخابيه تعيسه و جل هم تلك المخرجات هو صرف الاموال على الشعب لكسب الولاء السياسى على حساب الاقتصاد و التنميه و تهرب ضريبى على جميع المستويات.  لهذا أصبح حاليا الجنوب الاوروبى فى موقف حرج أجتماعيا و أقتصاديا و فوضى عارمه سياسيه خلال أزمة الائتمان الاقتصاديه بالمقابل الشمال الاوروبى يزدهر و خرج تقريبا بسرعه من الازمه الاقتصاديه !
السبب لرقى مخرجات الشمال الاوروبى يكمن فى التعليم المبكر و الاهتمام من قبل الكنيسه البروتستانتيه فى السكان و خصوصا العامه و الفقراء و المزارعين منذ القرن الثامن عشر.  الكنيسه البروتستانتيه أهتمت فى الجانب الدنيوى و تربية الناس و تعليمهم منذ القرون السابقه, لهذا أصبح سكان الشمال الاوروبى مع مرور السنين و التجارب و التطور التعليم ذوى وعى سياسى رفيع مما يؤثر على المخرجات الانتخابيه و يدفع لتنمية البلد.  فى المقابل الكنيسه الكاثوليكيه و أيضا الارثوذكسيه فى الجنوب الاوروبى كان جل أهتمامهم فى السابق ينصب على توعية الناس باليوم الآخر و السبيل لعدم دخول النار و تجميع الاموال منهم بشكل فاحش بحجة التبرعات للكنيسه و أهمال الجانب التعليمى لرفع من مستوى الفكرى للعامه.  لذا لم يتطور الوعى الفكرى لدى الناخب فى الجنوب الاوروبى و لازالت مخرجاته الانتخابيه ضعيفه و غالبيتها من السياسيين الانتهازيين.
 
3)     المقارنه بين النظامين الفيدراليين ذو النظام الرئاسى الجمهورى و مجلسى النواب و الشيوخ فى كل من الولايات المتحده و المكسيك.  الدولتين الجارتين فى العالم الجديد لديهم تقريبا نفس النظام السياسى و الديموقراطيه و تداول السلطه, لكن الولايات المتحده دوله عظمى بكل ما تعنيه الكلمه و فى المقابل المكسيك دوله غارقه فى الفوضى و الجريمه المنظمه و الفساد السياسى على جميع المستويات و الفقر منتشر بشكل رهيب بين السكان من سوء شديد لتوزيع الثروه !
يعزى المحللين التفاوت بين الولايات المتحده و المكسيك على حسب ما يذكر كتاب The Failed Nation  الى أن الولايات المتحده تأسست على أيدى المهاجرين الانجليز خلال القرنين الخامس و السادس عشر مقتبسين القوانين الانجليزيه الاولى بأحترام حق التملك للفرد و الحريات الشخصيه مما أوجد وعيا عاما لحسن الاختيار من السياسيين و ابداع المواطنين فى جميع المجالات.  لكن على النقيض تأسست المكسيك خلال القرن الخامس عشر على ايدى المحتلين الاسبان و أقتبسوا النظام الاسبانى الملكى بأحتكار الاراضى و النزعه للتسلط و تقسيم طبقات الشعب و الارستقراطيه السياسيه و الاجتماعيه.  لهذا لم يتطور الوعى لدى عامه المكسيكان لخلق ظروف سياسيه مبنيه على الشفافيه و محاربة الفساد و كسر الاحتكارات, لهذا تأخرت المكسيك كثيرا و أصبحت ديموقراطيتها فقط تفرز الانتهازيين و الفاسدين و أصحاب المصالح الخاصه.
 
لهذا من الخطأ أن نعزل نوعية النظام الانتخابى عن وعى الناخب فى الكويت, فلن ينفع الصوت الواحد أو الاربع أو حتى تطبيق القوائم النسبيه بدائره أنتخابيه واحده على تغيير المخرجات و دفعها للافضل.  العله فى الكويت تكمن فى وعى الناخب الذى تحول من الحاله الوطنيه فى بداية الحياة الدستوريه الى الحاله الطائفيه و الفؤويه الحاليا.  لرفع مستوى السياسى فى البلد يجب فى الاول رفع الوعى السياسى لدى الناخب من خلال التعليم الممتاز و تطبيق القانون و التقليص من دولة المساعدات الحكوميه لكى يكون المواطن منتجا و واعيا و على اساسها تكون مخرجاته الانتخابيه واعيه بالمثل الدول الناجحه بمختلف أنظمتها السياسيه و الانتخابيه التى ذكرت فى أعلى المقاله ....