Saturday 17 November 2012

الكويت بين زمنين 2012 و 1938

يكثر الحديث بعد الازمه السياسيه الحاليه و أستخدام سمو أمير البلاد الماده 71 لمراسيم الضروره لتغيير آلية التصويت و الخروج الكبير للشارع لاطراف المعارضه و الصدام الامنى. القسم الاول ذهب على أن الوضع الحالى يتجه للمزيد من الديموقراطيه و أن تلك الاحداث ستتمخض عن المزيد من الحريات.  بعض المحللين ذهبوا بعيدا على أنها قمة نضوج الشعب بالدفاع عن حقوقه و أن محصله هذه ستكون الاحداث بأتجاه الكويت للديموقراطيه الكامله و تداول للسلطه من خلال صناديق الاقتراع مع الابقاء على هرم الاسره الحاكمه كرمز للبلد كما هو الحال فى الملكيات الدستوريه الاخرى فى العالم المتقدم.  و هناك طرف آخر على النقيض يفسر أن تلك الاحداث لن تؤدى  الا للمزيد من التأزيم لوضع البلد بالخروج من فوضى و الدخول فى فوضى أمنيه و أقتصاديه كبيره بسبب تلك القلاقل المحليه.  المهم أنه لايوجد الى الآن أستقراء علمى مقتبس من الحاله الكويتيه و خصوصيتها و معرفة الى أين سيذهب البلد فى المستقبل القريب أذا أستمرت حالة العناد بين السلطه و ما يسمى أطياف المعارضه الحاليه فى لعبة كسر العظم لرد المرسوم الاميرى بالانتخاب بالصوت الواحد الى سابقه بالاربع أصوات !
شخصيا تعلمت أن السبيل  للتنبؤ بنهاية أى أزمه أو ايجاد حلول لها لا يتم ألا بالرجوع للتاريخ و أستحضار المواقف السابقه القريبه منها.  من خلال قراءة التاريخ الكويتى خصوصا الفصول التى تتحدث عن الصراع الشعبى المعارض مع السلطه نجد أن هناك الكثير من التفاصيل و الاحداث الحاليه التى تكررت خلال حدث سنة المجلس 1938.  نعم هناك أختلافات فى بعض الزوايا و الاهداف بين سنة المجلس و الوقت الحالى, لكن الحدثان يتفقان فيما بينهما من حيث المضمون لما يصل الامر لحد "العناد" بين السلطه و المعارضه و الى أين ستتجه الامور بالنهايه.  تاريخيا عندما تصل الامرور الى طريق مسدود و تتقطع جميع حبال التواصل و التفاهم بين الاسره الحاكمه و المعارضه و يصل الامر الى الصدام المحتوم, تكون النتيجه دائما لصالح السلطه ولا يجنى من ورائها الطرف المعارض المصر على رأيه ألا الهزيمه و التقهقر حتى لو كانت المعارضه على حق فى مطالبها.  لهذا أريد الرجوع الى الوراء قليلا لسنة 1938 و التذكير بصوره سريعه لاحداث تلك السنه و محاولة ربطها لاحقا بالحدث الحالى.
المجلس التشريعى الاول تم أنتخابه فى 1938 و مارس عمله بأدارة البلد بالتوافق مع حاكم الكويت فى وقتها الشيخ أحمد الجابر الصباح.  كان للمجلس التشريعى الطموحات فى أصلاح البلاد و كسر الاحتكارات التجاريه و خلق وضع تنموى للشعب خصوصا فى فترة الركود الاقتصادى العالمى فى الثلاثينات و أنهيار تجارة اللؤلؤ مما تسبب فى الكثير من المشاكل المعيشيه على الشعب الكويتى فى حينها.  فعلا كان للمجلس دورا تنمويا كبيرا فى تطوير الاقتصاد و أنهاء الاحتكارات مثل خطوط النقل البرى للعراق و المزيد من المراقبه على أموال الجمارك و أستثمارها لتنمية الكويت.  أصلاحات المجلس التشريعى تلك جلبت له النقمه خصوصا من المتنفعين و حافظ على الاموال العامه من التبديد و أستثمرها فى منفعة البلد و الناس.  قبل الاسترسال فى تكملة نهاية المجلس التشريعى المأساويه, علينا بذكر البعد الاقليمى و الدولى و أيضا دور الاسره الحاكمه فى تشكيل المجلس و تشجيعه فى البدايه.  أقليميا كان للوعى القومى العروبى بعد الحرب العالميه الاولى و أنتشاره فى الوطن العربى خصوصا فى بلاد الشام و العراق دورا فى أنتقال الوعى القومى الى الكويت و تغلغله بين الشباب للمطالبه بالمشاركه السياسيه مع ألسلطه و كونوا لذلك فى وقتها ما يسمى بالكتله الوطنيه لنشر الفكر القومى بين الشباب فى الكويت و طلب الاصلاحات.  البعد الدولى يتمثل بدور بريطانيا من خلال وكيلها السياسى فى ذلك الوقت الكابتن دى جورى الذى شجع مطالب الاصلاحات و بل حض بعض الوجهاء لتوجيه كتاب الى حاكم الكويت و مساعدتهم لانشاء المجلس التشريعى.  البعد الثالث يتمثل فى مساندة بعض أبناء الاسره الحاكمه للمعارضه فى وقتها بالمزيد من المطالبات الديموقراطيه و على رأسهم الشيخين عبدالله السالم و فهد السالم, حتى أن الشيخ فهد السالم كان على رأس أعضاء وفد الكتلة الوطنيه لرفع كتاب المطالبه بالمجلس المنتخب من أمير الكويت الشيخ أحمد الجابر فى وقتها.  لكن مع مرور الوقت زادت الثقه بين افراد أعضاء المجلس المتحمسين فى وقتها و ارادوا الانتقال السريع للزحف حتى على صلاحيات الحاكم نفسها. و بل أمروا حاكم الكويت بطرد سكرتيره الخاص "عزت جعفر" و أيضا ضغطوا لاخراج سكرتيره الآخر  "ملا صالح" من الكويت و فلحوا فى ذلك.  شيئا فشيئا و مع نشوة الانتصارات السياسيه, زحف المجلس تدريجيا و دمج جميع الصلاحيات التنفيذيه, القضائيه و التشريعيه فى يده فقط.  على سبيل المثال لما أختلف معهم فى المجلس زميلهم خالد الزيد أمر المجلس و حكم أيضا بنفيه من الكويت و أخراجه ! و على الصعيد الامنى تمكن المجلس من تشكيل قوه بدائيه مقرها قصر نايف مع العتاد لكى تكون بديلا عن القوه العسكريه التى يملكها حاكم الكويت و بالفعل ملشيات المجلس بدأت فى فرض الامر الواقع فى الكويت.  شعبيا كان المجلس محتكرا التمثيل بيد قله من عوائل التجار و لم يكن يسمح لباقى مكونات الشعب فى المشاركه فى أتخاذ القرار مثل الشيعه و القبائل و باقى الاسر المعروفه مما تسبب فى عزله شعبيه كبيره للمجلس.  الاهم و القشه التى قصمت ظهر البعير هى تدخل المجلس فى صلاحيات الحاكم الخارجيه خصوصا بالعلاقه مع بريطانيا و طلب مراجعة أتفاقية النفط بين حاكم الكويت و شركة البريطانيه المنقبه عن النفط مما أوصل الامور الى طريق مسدود و حصلت المواجهه العسكريه النهائيه و كانت نتيجتها قتيلين من المجلس "محمد المنيس و محمد القطامى" و أيضا سجن أعضاء المجلس من أمثال عبداللطيف ثنيان الغانم يوسف المرزوق و آخرين.  المهم خلال المواجهات بين حاكم الكويت و المجلس, أن الاسره الحاكمه و خصوصا ممن أيد المجلس مثل الشيخ عبدالله السالم رفعوا أيديهم عن المجلسيين و حرصوا على سلامة الاسره و تماسكها بالمقام الاول.  بريطانيا التى ساندت المجلس فى البدايه و بل توسطت عند الحاكم لاقناعه بالسماح بقيام المجلس, بعد تطور الامور وقف الى جانب حاكم الكويت ضد المجلس لانها رأت أنه سيهدد مصالحها على المدى البعيد.  أقليميا الانظمه الخليجيه لم تكن مرتاحه من حركة المجلس منذ بدايتها خصوصا أمارة دبى, البحرين و السعوديه و كانوا مرتاحين و مساندين لحاكم الكويت لضربه للمجلس.  هناك أيضا البعد العراقى فى مشكلة المجلس التشريعى ولا اريد أن أتطرق له الآن حتى لا تتشتت الفكره الرئيسيه.  تلخيص أحداث المجلس أن المجلسيين تمادوا كثيرا فى الزحف على السلطات و قطعوا جميع طرق التفاوض مع حاكم الكويت و رفعوا السقف كثيرا مما عزلهم عن الشارع و أصبحوا وحيدين فى المواجهات مع السلطه و خسروا جراء ذلك.  يذكر أحد المجلسيين المرحوم عبداللطيف ثنيان الغانم للدكتوره ميمونه الصباح "أنه مشكلة أعضاء المجلس أنهم تجار و ليسوا سياسيين, لهذا كل ما أخذوا غنيمه من السلطه أن فتحت شهيتهم و طالبوا بالمزيد".
تكرر الامر مره أخرى خلال فترة الخمسينات, حيث تشكلت النوادى الثقافيه فى الكويت و الحركات السياسيه.  و لم تتجه تلك المجاميع السياسيه للتفاهم مع السلطه فى وقتها للمزيد من الديموقراطيه و بل أتجهت لاسلوب العناد و التصعيد خصوصا مع المد القومى فى ذلك الوقت و كان ختامها فى دعوة المرحوم جاسم القطامى فى مهرجان ثانوية الشويخ و كلمته المشهوره "أن الاوان لكى ينتهى الحكم المشيخى فى الكويت" و كانت بعدها القبضه الحديديه من الدوله و أغلاق جميع الانديه الثقافيه و منع الحريات الصحفيه.  على النقيض فى بداية الستينات ذهبت مجموعه صغيره من التجار لمقابلة الامير الراحل عبدالله السالم و فاتحته بموضوع أهمية نقل الكويت لحاله جديده من خلال الدستور و البرلمان و كان التفاهم بكل أحترام وود و فعلا أقتنع أمير الكويت فى وقتها بأهمية العمل الدستورى لمواجهة التحديات الجديده. هنا يظهر أهمية التفاهم و سياسة التنازلات التى نهايتها يكون الخير للبلد ككل و ليس العناد و المواجهه التى نهايتها خسارة كل شيئ .... 
نعود مره أخرى لمعارضه مجلس 2012 أى بعد 60 سنه من حادثة المجلس التشريعى الاول.  فعلا تتشابه الاحداث كثيرا حيث منذ بداية مجلس 2012 و كتلة المعارضه تلغى جميع مكونات المجتمع و بل كانت تزحف على باقى الصلاحيات الدستوريه الاخرى حتى أنها تدخلت فى القضاء نفسه.  معارضة مجلس 2012 لم تكن تبحث عن حلول الوسط بل تمادت كثيرا فى عزل الوزراء و الضغط على آخرين لتمرير واسطاتها و مصالحها الخاصه.  و سبق أن حذرها أمير البلاد منذ مجلس 2009 من عدم الزحف على الصلاحيات الاخرى و أحترام الدستور, لكن كان الجواب المزيد من التمادى مثل الضرب الطائفى لمكونات المجتمع بأشعال قضايا الطائفيه و النزول الى الشارع على أتفه الاسباب للضغط على النظام و أيضا التدخل فى العلاقات الخارجيه و أساءة لعلاقات الكويت مع الجوار و الدول الصديقه.  مشكلة المعارضه الحاليه أنها أصبحت مثل أعضاء المجلس التشريعى 1938 و تركوا اللعب السياسى الحصيف المبنى على التنازلات و التفاوض و حصر الخلاف فى الاطر القانونيه, الى خلاف شخصى مع بيت الحكم و تحدى لهيبة أمير البلاد و صلاحياته الدستوريه.  المعارضه الحاليه على غرار أعضاء المجلس التشريعى ليسوا سياسيين محترفين يجيدون اللعب من خلال الادوات الدستوريه, لكن خليط من أصحاب المصالح الخاصه و ينظرون للسياسيه و الدستور من باب الغنيمه و الكسب و ليس من باب الحقوق و الواجبات.   فى الوقت الحالى حشدت المعارضه جميع أدواتها و نزلت الى الشارع بأقامة مسيرات "غير مرخصه قانونيا" و أوقعها فى صدام مع الامن.  و قامت شخصيات أخرى من داخل المعارضه بتوجيه خطابات مباشره لسمو الامير بطريقه غير لائقه متحديه الاعراف الدستوريه.  فأين ستصل للامور و هل وصلت بها الثقه العمياء لأن تتحدى الدوله بكل أجهزتها لكى تنتزع منها المزيد من التنازلات خصوصا فى رد المرسوم الاميرى الحالى للصوت الواحد !
لهذا أحذر المعارضه الحاليه من عدم تكرار أخطاء المجلسيين فى السابق. لانه لو فعلا وصلت الامور الى المواجهه سيتكرر سيناريو سنة المجلس. الاسره الحاكمه كما فى السابق ستلتحم مع بعض مره أخرى و تتناسى كل خلافاتها فى سبيل الاماره, حتى بعض الشيوخ ممن لديهم الصله القريبه من بعض أطياف المعارضه و يلقوا التشجيع منهم لن يصطفوا فى نهاية الامر مع المعارضه ضد الاسره مثل ما حصل فى مثال الشيخ عبدالله السالم مع أصدقاءه المجلسيين.  دوليا نعم بادرت الولايات المتحده و أيضا بريطانيا بأصدار البيانات الرسميه لاحترام حق المعارضه فى أقامة المسيرات لكنها أيضا شددت على الحل من خلال الدستور و أحترامه من الطرفين.  فلا يتوقع أحدا من المعارضه أنه فى حالة الصدام مع الدوله أن الدول الكبرى ستسطف معهم كما تخيل ذلك المجلسيين فى بداية الامر من البريطانيين لما شاركوهم فى حث الحاكم لتأسيس المجلس و تشجيع الديموقراطيه الوليده.  أقليميا دول الخليج معاديه لاى حراك شعبى و هناك فعلا رسائل خصوصا من السعوديه أنها لن تقف مكتوفة الايدى أذا تطورت الامور فى الكويت ولا أستغرب تدخل اللحظه الاخيره مثلما حصل مع البحرين.   
نحن أمام سيناريوهين واضحين بنتائج معروفه مسبقا من حركة التاريخ, فأما أن تتخذ المعارضه سبيل العناد و تكرار النزول الى الشارع لتخريب المجلس القادم و تحدى الدوله و هيبتها مثلما  حصل مع المجلس التشريعى الاول و ينتهى الامر بالالتحام الاخير ضد السلطه و تخسر كل شيئ, أو يكون التفكير العقلانى هو السائد بين المعارضه للوصول الى الحل الوسط مع الحكومه مثلما ما حصل الامر فى مرات سابقه خصوصا فى بداية الستينات عندما تفاهم عقلاء المجتمع مع السلطه بهدوء و ذكاء و النتيجته كان تشريع الدستور و القبلول بالحياة البرلمانيه  .... من المفارقات أنه والد الامير الحالى هو من واجه المجلسيين فى 1938, فهل يتكرر الامر مع الامير الحالى !