Friday 19 October 2012

مجلس الامه و توازن القوى الكويتى و تطور دبى و تنميتها !

 
المعروف فى كل برلمانات العالم, أنها تعمل على أصلاح الانحراف فى السلطه التنفيذيه و تكون مبادره للمشاريع الحيويه لتنمية البلد و تطورها.  لكن للاسف تحول البرلمان الكويتى (مجلس الامه) الى حاله غريبه و فريده فى العمل السياسى الجماعى العالمى فأصبح أداة للتخريب و التدمير.  طبعا ما يحصل فى الكويت لاسباب و تراكمات كثيره و تتحملها السلطه و لسنا حاليا فى مجال سرد الأسباب الحقيقيه لوصول مجلس الامه لحالة التخريب بعدما كان رائدا فى التنوير و أعمار البلد فى السبعينات و ما قبلها.  الاهم أن الكثيرين بدأو يدب بهم اليأس من الدستور و الحياة الديموقراطيه الكويتيه و أصبحت الأصوات تتعالى مطالبه بتعليق الدستور بعد أن كانت تلك الدعوات من المحرمات الشعبيه فى السابق.  أصبح يتردد كثيرا أن مجلس الامه و الدستور السبب الرئيسى لحالة الفوضى الحاليه و الكل أصبح يقارن بما حصل فى أمارة دبى فى فترة زمنيه وجيزه من تطور و نهضه حتى أصبحت المركز الرئيسى للتجاره فى المنطقه ومحطه رئيسيه لجذب رؤوس الاموال و التطور المذهل الحاصل على جميع الميادين.  لا ننسى الخدمات السريعه و المذهله فى أمارة دبى و أنعدام البروقراطيه و السرعه فى الانجاز على عكس ما يحصل فى الكويت من بطئ فى العمل و البيروقراطيه القاتله.  أصبح لسان الحال فى كل مجلس فى الكويت و ملتقى ضرب مثل أمارة دبى و تطورها و ألأسباب التى جعلت الديموقراطيه فى الكويت سببا لتأخر البلد و أنهيار الخدمات على جميع الاصعده.  بات الكثيرين ينادوا بتعليق الدستور و تطبيق نظرية المستبد العادل. طبعا تلك المقارنه قد لا تكون دقيقه لاسباب عديده و أيضا ليس من الضروره  أن تعليق الدستور فى الكويت سينتشل البلد من حالة التأخر و يلحق بركب دبى و باقى الدول الاخرى التى تحقق الانجازات فى المنطقه كقطر و أمارة أبوظبى على سبيل المثال. 
لكل دوله حاله خاصه لمدى موائمة طبيعة أنظمتها السياسيه مع التطور و تكون تلك مستمده من التاريخ, تركيبة المجتمع, و الجغرافيا و حتى الدين, و أذا أختلفت طبيعة النظام السياسى مع تلك العوامل السابقه, فلن يتطور البلد  بل يتقهقر.  على سبيل المثال الهند تاريخيا لا تتطور ألا بوجود ديموقراطيه و تعدديه سياسيه, و تاريخيا اذا سادت الدكتاتوريه تتراجع الهند على جميع المستويات.   المثال الآخر على النقيض لروسيا حيث لا تتطور الدوله و تنمو ألا تحت السلطه المركزيه القويه و الرأس الديكتاتورى, و متى ما آلت الامور الى الديموقراطيه فى روسيا ينهار كل شيئ و يتراجع البلد.  و هكذا الحال أيضا بين امارة دبى و خصوصية نظامها السياسى و أختلافه عن الكويت, أيضا هناك عوامل جغرافيه و تاريخيه و أقتصاديه تجعل من أمارة دبى تزدهر تحت أدارة القطب الواحد على عكس الحاله الكويتيه و نلخصلها فى ثلاث نقاط:
العامل الاول أقتصادى حيث عدم وجود النفط الكافى فى دبى منذ البدايه جعلت نظام الحكم فى الاماره يبحث عن المصدر البديل من الاول لسد نقص المخزون النفطى القليل.  أنتاج النفط فى دبى وصل لاقصى حد فى التسعينات ل 500 ألف برميل يوميا من النفط و تراجع حاليا الى تقريبا نصف الانتاج.  لكن فى الكويت كانت الثروه النفطيه هائله منذ بداية أكتشافها فأصبح متخذ القرار يعتمد على ثروة النفط و مداخيلها الضخمه لايجاد سبل الرفاه فى المجتمع من غير العناء و التكلف للبحث عن البديل الآخر مثل التجاره الاقليميه كأمارة دبى.  فى دبى وجهت السلطه جميع أدواتها لخلق مناخ تجارى لجذب الاستثمارات و أزاحت جميع العراقيل و البيروقراطيه لخلق من تلك الاماره الصغيره مركزا تجاريا أقليميا فأصبحت المزود الرئيسى للبضائع و التبادلات التجاريه لايران, دول الخليج و شبه القاره الهنديه و الشرق الافريقى.  بينما فى الكويت الحكومه طوعت مداخيل النفط الكبيره لتحويلها للعمله المحليه و توزيعها على المواطنين على شكل معاشات مجزيه و خدمات شبه مجانيه فأصبح الاقتصاد الكويتى يشبه حالة  Rent seeking society  للاسف من غير العناء لايجاد البدائل الداخليه لتنويع مصادر الدخل لانه الشعب مكتف بالحاله الماديه ولا يطالب بجديه لايجاد البدائل الاخرى, فأصبح المواطن الكويتى لا يطالب ألا بزيادة المعاشات من فتره و أخرى و الحكومه تلبى طلبه فقط.
ثانيا قامت أمارة دبى على الحكم العائلى المطلق ليس مثل الحاله الكويتيه بوجود العقد الشعبى مع السلطه منذ البدايه فى المشاركه بالحكم.  أصبحت حالة التفرد فى مركز أتخاذ القرار فى أمارة دبى عاملا أيجابيا للدفع للمزيد من التطور من غير الدخول فى نقاشات طويله و محاولات الاقناع أو التنازل للشعب مثل الحاله الكويتيه.  تلك المركزية فى القرار جعلت للسلطه فى دبى اليد الطولى فى  أتخاذ جميع التدابير الضروريه لتحول الاماره للطابع التجارى التنموى و بشكل سريع و قياسى و عدم الرضوخ لتوزيع مناصب الدوله على مختلف الشرائح و الاسر المهمه بغض النظر عن الكفاءه.  بينما فى الكويت على السلطه من مبدأ العقد التاريخى أن تستشير جميع مكونات و أفراد المجتمع عن طريق مجلس الامه المنتخب أو بشكل آخر لاتخاذ قرار مهم و طبعا تتعدد الآراء عند كل شريحه فى المجتمع بأختلافها مما يجبر السلطه لكى تصل للحل الوسط على شكل أقل الخسائر لكسب رضا الجميع. أيضا من باب العقد التاريخى على السلطه فى الكويت زج شرائح المجتمع المهمه فى أدارة الدوله عن طريق المناصب و المراكز حتى لو كان أصحاب تلك المناصب غير جديرين بالاداره !   
السبب الثالث يكمن فى حالة التنافس الداخلى بين مختلف الامارات داخل دولة الامارات العربيه المتحده حيث تسعى كل أماره و سلطتها للعمل على التميز و أيجاد المداخيل الضروريه لكى تستقل بقرارها الداخلى و عدم الرضوخ للامارات الاكبر حجما و الاكثر ثروة.  على سبيل المثال عملت دبى منذ البدايه على تنويع أقتصادها و تمييزها الاقتصادى لكى تكون قطبا كبيرا غير مهمش داخل دولة الامارات العربيه.  تلك حالة المنافسه الايجابيه تشبه لحد كبير حالة الدويلات الاوروبيه و الاسر الحاكمه المختلفه فى القرن الخامس عشر و السادس عشر لايجاد السبل لتمييزها على الآخرى وعدم الخضوع للدوله الاكبر.  فأصبحت الدويلات الاوروبيه تعمل جاهده للعمل على رقيها الاقتصادى و تشجيع العلوم مما طور من الدول الاوروبيه كثيرا و جعلها فى طليعة العالم.   لكن بالنسبه للكويت فلا يوجد خطر داخلى من دويلات و مملكات يهدد السلطه لهذا لا تميل الى روح التنافس و كل همها فقط الاخطار الخارجيه من الجيران و يتم ردعها عن طريق الاستعانه تاريخيا بالدول الكبرى التاريخيه مثل العثمانيين و بعدها البريطانيين و حاليا الامريكان.
بعدما أستعرضنا أسباب تطور أمارة دبى و أختلافها عن الوضع الكويتى, نأتى الآن الى الحاله الكويتيه و هل فعلا فى حالة تعليق الدستور سيتطور البلد و يصبح على الاقل مثل دبى أخرى فى شمال الخليج !  من الشواهد التاريخيه فعلا فى فترات معينه فى التاريخ لم تطبق فكره المشاركه الشعبيه فى الحكم أو حتى تم تعليق الدستور و كانت النتائج عكسيه على الوطن و لم تأتى بأى شيئ أيجابى.  و الادهى كل ما تبتعد السلطه عن الشعب فى أدارة البلاد, يقع البلد فى كارثه كبيره و يسوء الحال أكثر من ذى قبل.  و لنا فى استعراض بعض من تلك الشواهد التاريخيه لما تغيب المشاركه الشعبيه و التوازن فى أتخاذ القرار:
فى بداية القرن العشرين لما قام الشيخ مبارك الصباح بالانقلاب الدموى الشهير و أستفرد بالحكم و كسر القاعده التاريخيه فى التشاور فى أدارة البلد.  دخلت الكويت فى معارك و كانت نتيجتها الهزائم المتلاحقه و أستنزاف لمقدرات البلد الماديه و العنويه.  أيضا لا ننسى بسبب التفرد بالقرار كادت الحركه التجاريه أن تصاب بالشلل بسبب هجرة التجار المعروفه الى البحرين بسبب الضرائب الجائره. 
فترة الخمسينات خصوصا بعد أحداث سنة المجلس 1938, كانت سلطة الشيوخ فى أدارة البلد مطلقه لكن للاسف لم ينتج عنها التنميه أو الاستفاده القصوى من عائدات النفط فى حينها.  فى فترة الخمسينات و بسبب عدم وجود الآليات المحاسبه تم الاستيلاء على أراضى الدوله بما يسمى عهد البراميل.  أيضا عقود الاعمار فى الدوله كانت من غير رقابه و أستفاد منها المتنفذين على حساب المال العام. 
لا ننسى تزوير مجلس 1967, تلك الفتره أفرزت مجلسا منزوع الصلاحيات تقريبا و تابع للسلطه بالمطلق.  كانت نتيجة أستفراد السلطه بالحكم من 1967-1971 قيام بأكبر كارثه ديموغرافيه عرفتها البلاد بما يسمى التجنيس العشوائى و تغيير التركيبه السكانيه للبلد.  ولا زالت البلاد تدفع الثمن غاليا على جميع الاصعده الاقتصاديه و السياسيه و الاجتماعيه لعبث السلطه بالجناسى لعدم وجود الرقيب الشعبى.
أيضا حل مجلس 1975 أستفردت السلطه بعدها لمدة أربع سنوات و خلالها سائت أدارة البلد من الناحيه الماليه و تضخمت الاصول بصوره غير صحيه بسبب المضاربات العشوائيه. و تلى ذلك أكبر أزمه ماليه عرفتها البلاد بما سمى بسوق المناخ, حيث أنهار سوق الاوراق الماليه الهلامى مكبدا البلد خسائر لا تقل عن 15 مليار دينار كويتى على متوسط حسبة بعض المختصين.  طبعا تداعيات أنهيار سوق المناخ الذى تسببت به من الاساس السلطه بسبب عدم تدخلها لتنظيم الامور من البدايه و بل للاسف الكثير ممن فى السلطه كان مشارك فى المضاربات العشوائيه التى كبدت الوطن و المواطن المال الكثير.
الحادثه الاخرى تتمثل فى حل مجلس 1985 و تعليق الحياة الدستوريه لتقريبا 5 سنوات و تفردت السلطه بالكامل بالحكم و وعدت الناس بالانجازات و التطوير. لكن بدل الانجاز زادت السرقات الماليه فى أروقة الدوله بسبب غياب حس المراقبه و أكتشف بعدها فى المجلس القادم 1992 أكبر سرقتين فى تاريخ العالم و هما الناقلات و الاستثمارات و كلتا السرقتين حدثتا فى فترة حل مجلس الامه و الانفراد بالقرار السياسى.  طبعا المصيبه الاخرى التى حدثت فى تلك الفتره غياب الوعى عن الخطر الخارجى عند السلطه بسبب عدم سماع الاصوات الداخليه, ممى أدى الى كارثة الغزو التى مسحت البلد بأكمله ...
بعد سرد جميع تلك الاحداث الخمسه التاريخيه التى عملت بها السلطه من غير مشاركه شعبيه, و كانت نتيجتها كوارث و أخفاقات لا حدود لها, لهذا لا يجب الكلام عن حل المجلس و تعليق الدستور لكى يتقدم الوطن و ينطلق الى الامام.  نعلم عن لوعة الكثير من المواطنين بسبب الاخفاقات الاخيره من مجلس الامه التى وصلت لتكلفة الدوله للكثير من المال مثل ألغاء صفقة الداو و المصفاة الرابعه و غيرها من المشاريع الحيويه.  لكن الحل ليس بحل المجلس أو حتى أضعافه و تهميشه مثل ما يطالب البعض حاليا بالصوت الواحد و تغيير الدوائر و من تلك الامور,  تاريخيا ليس من مصلحة البلد أن تكون المشاركه الشعبيه ضعيفه جدا و مهمشه بأى وسيله كانت بل فاعليه.  دائما لنتذكر أنه فى نهضة الكويت فى الستينات و السبعينات لما أصبحت مركزا تجاريا فى المنطقه و الاعب السياسى المحترم بين الجيران و الاشقاء, كانت كلها بمساندة مجالس الامه و بل بفضل المجالس النيابيه و التنويريين من النواب وصلت الكويت لتلك المراحل المتقدمه.   الحل يكمن فى معالجة مواطن الخلل التى جعلت الناخب يقترع لاصحاب الاجندات الفوضويه و التخريبيه و أيصال الكثير من النواب الذين لا يستحقوا أن يكونوا مشرعين و مراقبين من البدايه.  على سبيل المثال من أحد أسباب سوء مخرجات الشعب يتمثل بعدم وجود الضرائب و دفع الرسوم الحقيقيه للخدمات, مما يرغم المواطن للتصويت للمرشح الافضل و المتمكن لكى يضمن أمواله الخاصه تصرف بشكل جيد من الحكومه.  لذا من الافضل تركيز الجهود لتحسين مخرجات الشعب و نمط تفكيره بدل الغرق فى عالم الاحلام التنمويه فى حالة حل مجلس الامه أو تقزيم دوره.  فى المقابل أيضا أذا غلب طيف واحد على مجلس الامه فلن تتفرغ للاصلاح و الانسجام بل ستستفرد بالسلطه للابتزاز كما حصل فى مجلس 2012.  التوازن بين القوى هى السمه التى تأسست عليها الكويت و من غير التوازن و توزع الصلاحيات لن نحقق الانشاد المنشود و التقدم.