Sunday 17 February 2013

مشاكل الاقتصاد الكويتى و الحل الهندى !

يعانى الاقتصاد الكويتى من مشاكل على جميع الاصعده, و تحاول الحكومه دائما بتنشيط الاقتصاد عن طريق ضخ السيوله فى السوق من خلال المشاريع الانشائيه أو البورصه, لكن للاسف يظل الاقتصاد فى حالة كساد و يبقى الانتفاع من الاموال الحكوميه حكرا على فئه معينه حارمة الطبقات الاخرى من المجتمع من الاستفاده من تحريك الاقتصاد المحلى مما يولد الشعور بالطبقه و الهجوم المتواصل على التجار بالاحتكار و الجشع و المؤامره و من هذا القبيل.  و من الناحيه الاخرى فأن الهند بأقتصادها الكبير كانت لديها نفس مشاكل الاقتصاد الكويتى بالسابق و تغلبت عليها من غير صرف الاموال و زيادة التكاليف على ميزانية الدوله !
الهند عند استقلالها فى النصف الثانى من الأربعينات القرن العشرين, أتجهت الى الاقتصاد الموجه ذو الطابع الاشتراكى و تدخل الحكومه بكل أركان الاقتصاد و توجيهه.  كان الاقتصاد هناك مبنى على الموافقات الحكوميه المسبقه لكى يقوم المستثمر فى أى خطوه فى المجال التجارى.  و بسبب سياسة التدخل الحكومى فى الهند و نظام التراخيص نمت البيروقراطية  بشكل غير مسبوق فأصبحت تهدد نمو البلد و تقدم الاقتصاد و فى نفس الوقت تقتل الابداع و روح المغامره التجاريه. نظام التراخيص الهندى و البيروقراطيه القاتله أصبح يطلق عليها “Papers Raj”   يستغرق وقتا طويلا لكى يصدر لاحد المستثمرين أو التجار. على سبيل المثال أذا ما أراد تاجر ما أستيراد بضاعه معينه أو تصدير صنف معين عليه بمراجعة أكثر من عشرة جهات و تستغرق أصدار التراخيص و الموافقات ما يقارب سنتين من غير مبالغه ! لهذا عزف الكثير من الهنود من الاستثمار فى بلادهم و أبتعد المستثمر الاجنبى عن الهند بسبب البروقراطيه المعقده.  و مهما كانت الحكومه الهنديه فى السابق تضخ الاموال فى الداخل لتحريك السوق و أنشاء أقتصاد قوى, كان الناتج القومى لا يتحرك و لا يتعدى 3% من نسبة النمو لهذا سميه من باب السخريه Hindo rate of growth !
لاننسى أيضا فى الهند لديهم المؤسسات التعليميه المحترمه و الشعب النشيط  المبتكر, لكن بسبب البيروقراطيه الهنديه و تحكم الدوله فى الاقتصاد قتل الابداع و التطوير بين الشباب خصوصا.  تلك البيروقراطيه القاتله الهنديه على مدى ستين عاما أيضا أثرت على الوضع الاجتماعى و أفرزت مجتمع غير مبدع و جامد و من غير أمل فى مستقبل بلده.  هذا الجمود أثر على ما يسمى بالانتقال الاجتماعى بين الطبقات "Social Mobility" حيث يولد الشخص من أسره فقيره فيعيش على هذه الحاله طول حياته من غير أمل لكى ينتقل من طبقة ولد منها ألى طبقه أقتصاديه أعلى.  لهذا أزدادت المشاكل فى الهند و أصبح الكثير من الشباب يلجأ الى التطرف أو الاحباط بسبب الجمود الاقتصادى الناتج عن البيروقراطيه الورقيه من الدرجه الاولى.  بسبب الوضع المقيت السابق وصف الحال الكاتب الامريكى توماس فريدمان عن الهند قبل الاصلاحات " أن لخريج الجامعات الهنديه العريقه المحترمه خياران, أما أن يقف فى طوابير أمام أحد السفارات الاجنبيه لكى يهاجر, أو أن يجد فرصة عمل من خلال الواسطه أو الرشوه فى أحد الشركات الحكوميه و تموت معه كل آماله و طموحاته الى الابد ". 
فى بداية التسعينات حصل التحول الكبير فى الهند, على أثر واقعة حرب الخليج الثانيه و أرتفاع أسعار البترول و المحروقات و تقلص عائدات المغتربين الهنود فى دول الخليج, واجهت الحكومه الهنديه بشكل جدى شبح الافلاس.  لأول مره فى تاريخها ستضطر الهند لكى ترسل موجودات الذهب فى بنكها المركزى كضمان لدى البنوك الاجنبيه للحصول على المساعدات الماليه و القروض للخروج من المأزق الاقتصادى. و كان لارسال الذهب للخارج, بمثابه أهانه للروح الوطنيه و أعتبر وقتها أستعمار آخر بعد أن نالت الهند أستقلالها من بريطانيا.  لحسن حظ الهند فى وقتها أن وزير الماليه هو مانموهان سينج الحاصل على أعلى شهادات الاقتصاديه من الجامعات العالميه و شخصيه ديناميكيه من الطراز الاول و أصبح رئيسا للوزراء فى وقت لاحق.  فى وقتها طلب سينج مقابله عاجله فى أوائل التسعينات من رئيس الوزراء و الجلوس بأنفراد و أفهامه اذا أستمر الوضع على ما هو عليه ستفقد الهند أحتياطياتها التاريخيه من الذهب مما سيتسبب فى أزمه سياسيه جارفه فى البلد.  الوضع وقتها كان  مخيفا و فعلا رئيس الوزراء الهندى فى وقتها تفهم الامر و أحس بالخطر و وافق من غير شروط على خطط وزير الماليه بالاصلاح الاقتصادى الشامل و تغيير القوانين لكى تتحول الهند من النظام الاشتراكى الى النظام الاقتصادى الحر. 
كل ما عملته الهند هو ألغاء جميع التراخيص الاقتصاديه أمام المستثمرين و التجار بحث لا يحتاج المستثمر بعد اليوم الى الوقوف فى طوابير البيروقراطيه الهنديه القاتله.  فى فتره بسيطه بعد الاصلاحات الغير مكلفه و فقط تتعلق بتغيير القوانين و ألغاء البيروقراطيه قفز الناتج المحلى الهندى من 3% الى مالا يقل عن 6 % سنويا و نشطت الاستثمارات و الحركه التجاريه و أرتفعت موجودات العمله الصعبه فى البنوك الهنديه بشكل تاريخى غير مسبوق.  أصبحت الهند فى مصاف الدول الاولى فى جذب الاستثمارات الخارجيه و أيضا الرائده فى تكنولوجيا المعلومات و تصميم البرنامج.  أصبحت الشركات العالميه تتسابق لكى تفتح لها أفرع كبيره فى الهند لكى توظف الطاقات الهنديه الشابه المتخرجه من الجامعات المحليه أو العالميه المحترمه.  حاليا أصبحت الهند فى مصاف الدول 20 الاكبر أقتصاديا فى العالم و فى المستقبل ستكون من الدول الخمسه الاوائل من حيث حجم الاقتصاد. أجتماعيا حصل أكبر تغيير فى الطبقات الاجتماعيه و أنتقالها و لم يحصل تاريخيا مثل هذا, حيث فى سنوات قليله أصبح ما يقارب 350 مليون نسمه فى الهند يعدون من الطبقه الوسطى المستهلكه ذوى حياة الكريمه.  أيضا لم يعد الشباب الهندى المتخرج من الجامعه بحاجه أن يذهب الى السفارات الاجنبيه و الوقوف فى الطوابير المذله للحصول على فيزا للعمل فى الخارج, بل أصبح الهنود جدا فخورين فى العمل فى بلدانهم و تأسيس شركات محترمه أو الحصول على عقود مجزيه لدى الشركات الاجنبيه العامله فى الهند.  و كل تلك الانجازات الهنديه الاقتصاديه و الاجتماعيه الى حدثت فى فتره تاريخيه سريعه و مذهله يرجع الفضل لها الى ألغاء البيروقراطيه و جعل العمل الاقتصادى مرن و حر و من غير القوانين المعقده و المعيقه ...
الكويت على أختلاف مفاصل الوضع الاقتصادى عن الهند, لكن لا تختلف معها فى أصل القضيه.  منذ السبعينات أتجهت الحكومه فى الكويت الى التدخل فى جميع المفاصل الاقتصاديه فى البلد و بناء نظام أقتصادى هجين بين الاشتراكيه و الرأسماليه الاحتكاريه.  نتيجه للتدخل الحكومى فى أقتصاد البلد المحلى تولد نظام بيروقراطى معقد و متشابك بين الوزارات مبنى على الاوراق و المعاملات التى لا تنتهى و تستغرق الوقت و تستنفذ الوقت و الجهد للحصول على التراخيص.  حيث أصبح معدل الحصول على الرخصه التجاريه فى الكويت لا يقل عن 3 أشهر بعد معاناة بين أكثر من جهه حكوميه.  أيضا حتى بعد الحصول على الترخيص هناك أجراءات أخرى متعبه بخصوص العماله تتبع وزارة الشؤون و أدارات أخرى فى البلد.  و أذا أنتهى الشخص من جميع تلك التراخيص و الاوراق الضروريه أصبح الوقت قد أستنفذ و يجب مره أخرى أعادة تجديد الاوراق و العوده الى نفس الدوره من البيروقراطيه السابقه.  بسبب التعقيدات الاداريه فى الكويت أصبح الكثيرين خصوصا من المتحمسين للدخول فى المجال التجارى يعزفون عن ذلك و مكتفون فقط فى الاستثمار فى المجالات الاقتصاديه الكسوله التى لا تحتاج المرور على العقد البروقراطيه مثل العقار أو الاسهم التى فى نفس الوقت لا تدر المنفعه الكبيره لقدرة الاقتصاد المحلى التنافسيه ولا ترفع من نسبة الناتج المحلى ولا تشكل عنصرا حيويا لبناء قطاع خاص قوى و ديناميكى.
تلك البروقراطيه القاتله فى الكويت أصبحت العائق الاكبر أمام الشباب و غيرهم لتطوير الذات و الانغماس فى التجاره و بناء أقتصاد مبدع مبنى على الابتكار و التطور.  لدينا مخرجات تعليميه تخرجت من جامعات محترمه فى الخارج, لكن للاسف لا تجد السبيل فى القطاع الخاص النشيط لكى تبرز كفائاتها.  لهذا فقط الشركات الكبرى ذو الرؤوس الاموال القويه القادره على التعامل مع الوضع المحلى الصعب و البروقراطيه القاتله.  الحكومه تحاول تنشيط الاقتصاد على مدى 30 سنه من خلال طرح المناقصات, لكن فقط الشركات الكبرى القادره على التغلب على البيروقراطيه و دولة الاوراق اللامنتهيه, تستفيد من تلك المشاريع الحكوميه تاركه غالبية الشعب الكويتى و خصوصا صغار التجار المستثمرين فقط متفرجين على الساحه ! المحصله النهائيه أصبح فى الكويت حاليا أنه من يولد من عائله غنيه يبقى غنى و من يولد من عائله متوسطه الحال يبقى على حاله مما تشابه مع الوضع الهندى السابق بعدم ديناميكية الوضع الاجتماعى و جمود ما يسمى الانتقال الاجتماعى بين الطبقات.  طبعا الجمود الاجتماعى و عدم قدرة الفرد على تحقيق آماله بسبب عوائق البيروقراطيه لهذا تأثيرات سياسيه كبيره و تخلق روح من التطرف و الجموح نحو المعارضه الهدامه كما يحصل حاليا على الساحه ...
المطلوب حاليا من السلطه أتباع أجراءات الاصلاح الهنديه فى التسعينات الغير مكلفه من خلال هدم جميع المعوقات الاداريه و ألغاء جميع أنواع البيروقراطيه الورقيه و فقط الاكتفاء بالمراقبه من بعيد.  على سبيل المثال أحد القوانين المعيقه و التى عفى عليها الدهر هو منع الجمع بين التجاره الحره و وظيفة الحكومه.  لنتخيل لو يتم الغاء شرط عدم جمع بين الترخيص التجارى و الوظيفه الحكوميه, كم شخص سيتشجع للعمل الحر و فتح مشروع مع وظيفته الحكوميه و منها يحرك السوق و يستفيد !
الاقتصاد الكويتى و تحريكه و العوده للامجاد السابقه لما كانت الكويت مركزا تجاريا كبيرا فى المنطقه لا يحتاج الى ضخ الاموال فى السوق و تأسيس المزيد من الصناديق الاستثماريه لتحريك البورصه كالعاده و يستفيد منها القله فقط, لكن تكمن الحاجه الى التغيير الجذرى فى القوانين و ألغاء البيروقراطيه فقط و هى لا تكلف حتى بعضة مئات من الدنانير.