Friday 7 October 2011

قوس الامان الكويتى فى جنوب العراق

عاشت الكويت خلال الاسابيع القليله الماضيه حاله من القلق بين المواطنين على وقع  أخبار عن أطلاق صواريخ قصيرة المدى من المناطق الحدوديه العراقيه بأتجاه الاراضى الكويتيه لاستهداف مواقع التشييد فى ميناء مبارك الكبير على جزيرة بوبيان.  و لسنا بمحل تقييم نفى الحكومه فى البدايه و تأكيدها بعدها, ولا الجهه الفاعله و المستفيده فى العراق.  لكن الاهم فى الموضوع أن أزمة أطلاق الصواريخ قد كشفت أن جغرافيا جنوب العراق و خصوصا المناطق المحاذيه للحدود الكويتيه باتت مكشوفه لاى أختراق  لتهديد للامن الوطنى. وفى ظل ضعف الدوله المركزيه فى العراق و أستمرار حالة التدهور الخدماتى و الامنى, عاجلا أم آجلا سيتحول جنوب العراق الى منطقه دائمة التوتر ضد الكويت كما هو حال الصومال لكينيا و باقى الدول المطله على المحيط الهندى.
أمام تلك الفوضى العارمه فى الجنوب العراقى و تهديده المباشر للامن الوطنى الكويتى, يكون أمام الكويت حلان للتعامل مع ذالك المشهد الفوضوى من خلال تجارب دول أخرى.  الحل الاول يتمثل بما قامت به أسرائيل من عمليات عسكريه لأحتلال للشريط الحدودى الجنوبى للبنان لعمل حزام آمن دخل الاراضى اللبنانيه لحماية الاراضى و المستوطنات الاسرائليه.  لكن هذا الاسلوب يستحيل تطبيقه فى الكويت لانعدام البنيه العسكريه القويه و إضافه الى الموانع الاقليميه و الدوليه.  اذا نحن فى الكويت أمام مشهد الحل الثانى و المتمثل بنسخ تجربة شريط التنميه الاقتصاديه التى أقامته الولايات المتحده فى الحدود الشماليه للمكسيك خلال التسعينيات, و ذلك من خلال نقل مصانع الشركات الامريكيه الى الحدود المكسيكيه لتنمية تلك المناطق المحرومه فى المكسيك أقتصاديا للحد من الهجره الغير قانونيه الى الولايات المتحده وتهريب المخدرات.  بأمكانها الكويت الاهتمام فى المناطق المحاذيه للحدود الكويتيه بالطرق العمليه المتوافره فى الوقت الحالى و بناء ما يسمى " قوس الامان الكويتى فى جنوب العراق ".  و أقصد بالقوس أمتداد لخط وهمى من البصره و نزولا الى الزبير ليضم جميع المناطق العراقيه و التجمعات البشريه و العمرانيه داخل القوس و يمتد الى حدود الكويت الغربيه المشتركه مع العراق.  وحاليا يعيش داخل ذالك القوس الوهمى مالا يقل عن مليونى ونصف نسمه و تعتبر من أكثر مناطق العراق فى أرتفاع نسبة الفقر و الحرمان و البطاله.  لهذا يجب الاجتهاد لأستيعابهم للتحول الى أنذار مبكر وجدار متقدم لحماية الكويت من أى أعتداءات خارجيه و ذالك عن طريق ألاتى:
أولا: تسهيل دخول التجار العراقيين للكويت خصوصا من مناطق القوس الامنى و الغاء العقبات الامنيه و البروقراطيه المغالى بها و افتتاح قنصليه كويتيه بأسرع وقت ممكن فى البصره لاصدار تصاريح الدخول للكويت.  حاليا, لا يزال التبادل التجارى بين الكويت و العراق لا يتجاوز 200 مليون دولار و هذا رقم جدا هزيل و مخجل بالمقارنه بالعلاقات التاريخيه التجاريه بين الكويت و العراق.  و من خلال السماح للتاجر العراقى و الميسورين لدخول الكويت بأمكانهم تحريك السوق التجارى و زيادة التبادل التجارى مما له الاثر العظيم للكويت و العراق أيضا.  و بزيادة رواج البضائع المصدره من الكويت فى القوس و غيره, يعطى أنطباعا جيدا للمواطن العراقى بأهمية الكويت له, و ايضا يحضر مبكرا لفكرة أعتماد ميناء بوبيان لمدخل رئيسى للبضائع للسوق العراقى وكسر الحاجر النفسى لعقلية مآمرة بناء ميناء بوبيان لخنق الشعب العراقى المروج لها فى الشارع العراقى.
ثانيا: سماح للمواطنين العراقيين فى قوس الامان بالخصوص  بالعمل فى الكويت و أعطائهم الاولويه.  كم من عائله محرومه فى ذلك القوس و نسبة البطاله جدا عاليه مما يسهل عمليات الاختراقات و التأليب على الامن الكويتى من بعض الجهات المشبوهه داخل العراق و خارجه.  بتوفير فرص عمل للمواطنين العراقيين من داخل القوس بالتحديد فى الكويت و تحويلاتهم الماليه لاهاليتهم, ستنمو تلك المناطق المحرومه فى العراق من أموال الكويت بشكل مباشر أو غير مباشر و يستفيد فى نفس الوقت العراق و الكويت معا على الصعيد الاقتصادى و الامنى.
ثالثا: على صندوق التنميه الكويتى و هو الذراع المالى للسياسه الكويتيه الخارجيه التركيز فى مشاريع تنمويه خصوصا فى منطقة قوس الامان العراقى و وضع الاولويه له و مضاعفة المساعدات للعراق.  ليس من المعقول أن نسمع بين فتره و أخرى توقيع الصندوق لقرض أو مساعده مع دول بعيده ليست من أولويات الكويت الامنيه و السياسيه و نتجاهل الجوار العراقى الذى هو الاهم فى الوقت الحالى على أستقرار الكويت و تنميتها.  فهل نتفاجأ أن الكويت تبنى الطرق و المستشفيات فى أدغال أفريقيا و جبال الهملايا, وفى نفس الوقت بين فتره و أخرى عمل عدائى من جانب العراق ضد الكويت بسبب الفقر و الاهمال مما يترك المنطقه ساحه مفتوحه الاختراقات !
رابعا: باب تعويضات الغزو و ديون الكويت على العراق. بأعتقادى تلك هى المعضله الرئيسيه فى تطور العلاقات الشعبيه و كذلك الرسميه مع العراق ككل و المناطق المعدومه خصوصا فى منطقة القوس, بسبب أستخدامها كأداة للمزايده السياسيه فى العراق و التحريض ضد الكويت بين فتره و أخرى. نعم أسقاط ديون الكويت و التعويضات خط أحمر لدينا كمواطنين كويتيين, لكن ايضا يجب فى نفس الوقت أيجاد الحلول العمليه لها من غير إذاء الجانب العراقى نفسيا و أقتصاديا وخلق صدام آخر مثل ما خلقت أوروبا هتلر بسبب التعويضات ضد ألمانيا بعد الحرب العالميه الاولى.  بأمكان الكويت على سبيل المثال نسخ النموذج التركى ببناء أنبوب لتصدير النفط العراقى عن طريق الموانئ الكويتيه وتحصيل رسومه العاليه و السخيه بدل التعويضات المباشره. ببناء خط نفطى قصير من حقول جنوب العراق مع بعض أعمال الرفع لقدرة الكويت التصديريه, بأمكاننها تحصيل الديون عن طريق رسوم مرور النفط العراقى, ففى تلك الحاله العراق يستفيد و يكون سعيدا بعدم تحويل أمواله كاش للتعويضات و فى نفس الوقت تصديره نفطه بسهوله, وفى المقابل الكويت تستفيد ماليا أضعاف مضاعفه أكثر من ديونها المستحقه على المدى الطويل.  لنتخيل أن العراق يصدر يوميا مليون و نصف الى مليوني برميل من النفط عن طريق الكويت, و تحصل الكويت تقريبا 5 دولارات على كل برميل عراقى يمر بأراضيها يوميا ؟؟؟
تلك النقاط الاربعه العمليه فى رأيى لن تكلف الكويت كثيرا و بل ستنعكس بشكل أيجابى على الكويت و العراق معا.  ففى العراق الحديث بعد المقبور صدام أصبح للعراقى الصوت الانتخابى المهم الذى يحدد مسار العلاقه مع الكويت و غيرها.  و بألانفتاح الشعبى و التبادل المصالح بين البلدين يميل العراقى للتصويت للسياسات العراقيه المسانده و الايجابيه مع الكويت, او على الاقل التى لا تضر بالكويت وتتصادم معها.  تاريخيا للعراق تأثير كيميائى غير مفهوم على الكويت فعندما يزدهر العراق يتبعه أزدهار الكويت, و أذا أخفق العراق ينعكس ذالك على الكويت داخليا كذالك.   نعلم جميعا أن مدعى البطولات فى الكويت لن ينفعو الوطن فى حالة التدهور الامنى فى العراق, و أيضا لنبعد التخطيط الاستراتيجى من أختطاف  بعض الاصوات الغير مسؤوله فى الكويت التى تحلل العلاقه مع العراق من دافع طائفى و عنصرى و لمصلحة دول أخرى على حساب المصلحه العليا للوطن. لنتعظ من حكمة الشيخ عبدالله السالم و الحكماء من أهل الكويت خلال فترة أوائل الستينات فى مواجهة تعنت الاتحاد السوفيتى فى وجه الكويت فى المنظمات الدوليه.  فلم يستمع حكماء الكويت فى ذالك الوقت للاصوات الداخليه و الاقليميه بمعاداة السوفييت و الارتماء بالكامل مع المعسكر الغربى, بل بادر الحكماء بفتح قنوات اتصال مع السوفييت و أقامة علاقات دبلوماسيه كامله معهم فى 1963.  و انعكست تلك العلاقات مع السوفييت إيجابيا على الكويت مما جعل الكويت محل أحترام فى دول العالم الثالث و ايضا فى المعسكر العربى الشرقى فى ذالك الوقت.  و كذالك لنستذكر كيف خلال أزمة الناقلات فى الثمانينات أمام تعنت الامريكان فى البدايه فى رفع الاعلام الامريكيه على ناقلات النفط الكويتيه, اتجهت الكويت للاتحاد السوفيتى و بسبب علاقاتها السابقه معه من الستينات قدم السوفييت المساعده الفوريه و تبعها بلمح البصر الامريكان لحماية الناقلات الكويتيه.  
لنبادر , لنبادر, لنبادر بالانفتاح مع العراق على أرض الواقع و ليس فقط الاكتفاء بالعلاقات الشخصيه مع بعض المسؤولين فى العراق و كفانا أيضا سياسات ردود الافعال و عقلية الى ان يقضى الله امرا كان مفعولا.  واقعيا نحن نحتاج العراق أكثر ما يحتاج العراق الكويت فلا تزال هناك ملفات مهمه عالقه بأمكان العراق لعب دور رئيسي بها, مثل حقول النفط المشتركه و قضية غير محددى الجنسيه و غيرها من الامور العالقه. لهذا الحل الوحيد أمام المعضله العراقيه هو التكامل الاقتصادى كما كان على مر تاريخ المنطقه, وغير ذلك ندخل فى نفس دوامة التوتر مع العراق من وقت الى الآخر مما ينعكس سلبا على الكويت على جميع الاصعده ...   

No comments:

Post a Comment